العادة السرية.. ذلك الأمر الذي أصبح يؤرق معظم الشباب من مختلف الأعمار في جميع أنحاء العالم ، فطبقاً للإحصائيات : يتراوح عدد ممارسي العادة السرية بين 90% إلى 95% من شباب العالم سواء كانوا ذكوراً أم إناث.
ويُعزى سبب قلق الشباب والفتيات من هذه العادة إلى بعض الإشاعات المنتشرة حول ما يمكن أن تسببه من أمراض وأعراض لممارسها.
لا يخفى علينا جميعاً ما أصبح يُذاع على التلفاز –سواء كان عربياً أم أجنبياً- وعلى الإنترنت مما يُفسد أخلاق الشباب ويثير غرائزهم وشهواتهم ، فلا يجد المراهق أو المراهقة تصريفاً لتلك الشهوة سوى بممارسة تلك العادة سيئة السمعة ، ولكن الأمر لا ينتهي عند الممارسة وحسب ، بل عادة ما يُصاب الممارس بالندم واستحقار الذات وتأنيب الضمير، بالإضافة إلى احتمالية الوقوع في براثن إدمان تلك العادة.
العادة السرية و تأنيب الضمير:
يعود السبب في تأنيب الضمير الذي يشعر به ممارس العادة السرية إلى أمرين : الأول هو علمه أن الاستمناء (ممارسة العادة السرية) مُحرم بشكل قاطع في الدين ، والأمر الثاني هو معرفة المراهق أن ممارسة تلك العادة أمر ضار للغاية بصحته النفسية والجسدية والجنسية ، لدرجة أن البعض يشعرون أنهم لن يتمكنوا من ممارسة الجنس أو الاستمتاع به بعد الزواج نتيجة لممارسة هذه العادة.
آراء متعددة بين الاعتدال والتشدد :
ينقسم أهل الطب في ما يتعلق بالعادة السرية إلى قسمين : القسم الأول يرى أنها مصدر الأمراض وأصل البلاء ، فهي في رأيهم تسبب حبّ العزلة، والكآبة, وحب الشباب، وزيادة الحساسية للبرود ة، سرعة التنفس و التردد، والعصبية، والارتباك والنحافة و هبوط عام في الجسم ، وحرقة البول واحتباسه، وذبول الوجه والهالات السوداء حول العين ، و اختلال الهضم، وضعف الانتصاب . بل أن البعض تجاوز ذلك ورأى أن العادة السرية تسبب الصرع و الضعف الجنسي والجنون ، العمي ، وغير ذلك من الأمراض والأعراض التي يصعب حصرها.
على الجانب الآخر نجد رأياً آخر أكثر اتزاناً واعتدالاً، أصحاب هذا الرأي لا ينصحون بممارسة العادة السرية ولا يحبذونها، ولكنهم في نفس الوقت لا ينسبون إليها ما نسبه أصحاب الرأي الأول من أمراض ، ولا يرون أن لها آثار سلبية تذكر إلى في حالة إدمانها وممارستها بشكل دوري ومستمر بإفراط ودون توقف.
لنطلع على بعض ما قاله الدكتور (محمد هيثم الخياط) على قناة الجزيرة في حلقة خاصة بالعادة السرية ضمن برنامج بلا حدود:
“ليس هناك أي ضرر يُمكن أن تسببه ممارسة العادة السرية من الناحية الطبية ، والحديث عن ذلك الأمر تكرراً وإدخاله بأدمغة أطفالنا يُمكن أن يسبب بعض العقد النفسية لديهم ، فممارسة العادة السرية يُمكننا تشبيهه بممارسة الجنس بين الزوجين ، ماذا يحدث لو أفرط زوجان في ممارسة الجنس ؟ لا شيء على الإطلاق، والأمر كذلك فيما يتعلق بممارسة العادة السرية”
وكان أيضاً مما ذكره خلال نفس الحلقة:
“الضرر الرئيسي لممارسة العادة السرية هو الحيرة التي يقع فيها ممارسها بين الدوافع التي تدعوه لممارستها والإشاعات والأكاذيب والخرافات المنسوبة إليها من الأمراض والأعراض التي تسببها ، فشهوة الشخص الجامحة تسير به في طريق الممارسة ، والخرافات والأوهام عن أضرارها تسير به في الاتجاه المعاكس ، وهنا يجد الشخص نفسه في أزمة نفسية . لكن الثابت من الناحية الطبية.. لا ضرر إطلاقاٌ من ممارسة العادة السرية”
ولا يختلف ذلك كثيراً عن ما قاله الدكتور (بنيامين سبوك) في كتابه المتميز (مشاكل الآباء في تربية الأبناء)، حيث قال:
” و ما يجعل العادة السرية سبباً لتأريق ضمير الكثير من الشباب هي الإشاعات الكثيرة المنتشرة عن ما تسببه من أمراض وأضرار، ومع استمرار العادة السرية تستمر الحيرة والأزمات النفسية ، بالرغم من أن تلك الإشاعات ليست صحيحة مُطلقاً إلى بالنسبة لمن يفرط في الممارسة بشكل شديد”.
مما سبق نستنتج أن ممارسة العادة السرية لا تُشكل خطراً بحد ذاتها، وأن الإفراط فيها هو المضر والذي يمكن أن يسبب الخطر. وهذا يتفق مع أحد الآراء الدينية الذي يستند على قاعدة فقهية نصها: “تجوز العادة السرية دفعاً للشهوة ، وتحرم لاستجلابها” ، وأعتقد أن هذا الحل وسط ومعتدل ومُطمئن للجميع.
إذن علام بُنيت تلك القاعدة الفقهية؟ لنتعرف أولاً على سند من يُحرمون تلك العادة : هناك قول مُنتشر بين الشباب على أنه حديث شريف نصه “ناكح يده ملعون”، وهو ليس حديثاً صحيحاً ولا يصح نسبه لخير الأنام سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- ، وهناك من يُحرمها بسبب ضررها استناداً على حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- “لا ضرر ولا ضرار”، وهذا نتفق معه في وجوب تجنب الضرر، لكن الضرر كما قال الدكتور سبوك يأتي بالإفراط في الممارسة وليس بمجرد الممارسة ، ومن هنا أتت القاعدة الفقهية سالفة الذكر.
إذن عندما يشعر المراهق بشهوة شديدة قد تؤدي به للتوتر النفسي، وهو غير قادر على الزواج ، مما قد يؤدي به للوقوع في الزنا فيجوز له إشباع تلك الشهوة من خلال ممارسة العادة السرية.
وهناك حل يُقدمه الدكتور سبوك يقول فيه:
” قد نجد مراهقاً جريئاً يحب الوضوح والشفافية يسأل أباه عما إذا كانت العادة السرية تمثلا خطأ عظيم أو ذنب كبير؟ والواجب على كل أب أن يكون بينه وبين ابنه علاقة صريحة لا خجل فيها وأن يجيب بناءً على وجهة نظره الشخصية المبنية على أساس معتقداته الدينية والأخلاقية ، فلو أجاب الأب بالنفي وبأن ليس هناك أي ضرر منها إطلاقاً وبأنها ليست ذنب لما ارتاح المراهق ولأصبح الأمر أكثر حيرةً بالنسبة له بسبب ما يسمعه عنها ومثله وقيمه العليا . وشخصياً أعتقد أن الجواب الأمثل لهذا السؤال أنها لا تمثل ذنب أو خطأ طالما لم يمارسها الشخص بإفراط” .
أضيف على كلام الدكتور سبوك أنه يمكن أن نعتبر الصديق أو الأخ أو المعلم محل الأب.
مما سبق أدركنا أن الدكتور الخياط والدكتور سبوك يصران على أن ممارسة العادة السرية ليس مضراً بحد ذاته ، وإنما ينحصر الضرر في الإفراط في الممارسة ، ومن هنا يبدأ علاج تلك العادة . فلا بد أن يعي ويؤمن كل ممارس للعادة أن مصدر ضررها ينحصر في الإفراط في ممارستها.
مما سبق يُمكن التوصل إلى صيغة تربط بين حكم الشرع ورأي الطب مثل أن نقول : لا تمارس العادة السرية إلا لتقليل شهوتك في حالة الهيجان الجنسي لحمايتك من الوقوع في الزنا، ولا تجعلها أمراً معتاداً تفعله كلما شعرت بالملل أو الفراغ.
إذن الطريق الأسهل والأقصر للتخلص من إدمان العادة السرية هو أن يقوم الفرد بتقليل ممارستها إلى أقصى حد ممكن ، وأن لا يلجأ إليها إلا عندما تبلغ شهوته (بشكل طبيعي وليس مُفتعل) حداً لا يُمكنه التغلب عليه، وأن يدرب نفسه على ذلك.
ذكرنا في الأعلى أن هناك بعض من ينتسبون للطب قد جعلوا من العادة السرية “مصدراً لكل بلاء ومرض”، وهناك أيضاً بعض علماء الدين الذين هولوا من أمرها وحملوها ما ليس فيها، والحقيقة أن حكم العادة السرية شرعياً مُشابه لحكم التدخين ، أي أنه مرتبط بالضرر والرأي الطبي.
نستنتج من كل ما ذكرناه أن مُدمن العادة السرية هو من يجب عليه الشعور بالذنب والندم، لأنه ينتهك حرمة الدين وفي نفس الوقت يضر جسده وصحته، أما من يمارسها لدفع شهوة جامحة لحماية نفسه من الوقوع في الزنا فأمره مُختلف، ولا يجب أن يشعر بالذنب.
إذن ما هي أفضل الطرق لتقليل من العادة السرية ؟
- لا تترك أي وقت فراغ في يومك واملأه بما يشغلك مثل ممارسة الرياضة أو تعلم شيء مفيد أو بفعل الخير أو أي شيء آخر.
- تجنب العزلة وحاول أن تتواجد دائماً في مجموعات وأن لا تختلي بنفسك.
- الدعاء، هذا السر الرباني للتخلص من كل بلاء ولعلاج كل مرض، فالله يجيب الداعين ويُعينهم على ما يطلبوه.
- ابتعد عن المثيرات الجنسية مثل التلفاز أو المجلات الإباحية، وتجنب أصدقاء السوء الذين يشجعون على مشاهدة الأفلام الجنسية وممارسة العادة السرية، لأن “الصاحب ساحب”.
- الصيام كذلك سلاح فعال سحري لمواجهة العادة السرية.
- حاول أن تضيف عادة أخرى لا يمكن إدمانها إلى نظام حياتك بدلاً من تلك العادة السيئة لكي تستبدلها بها ، مثل تناول نوع معين من الطعام أو القيام بتمرين رياضي معين ، حاول أن تجد لكل مثير يشعل الشهوة في كيانك بديلا عنه ، فالأغاني السافرة استبدلها بأغاني إسلامية أو غير مثيرة.
– لا تخجل إذا ضعفت، الإنسان ضعيف أمام المثيرات، لذا إذا ضعفت مرة فاستجمع قواك وحاول مرة أخرى حتى تصل إلى ما تهدف إليه، وهذا ليس مبرراً لتخطئ ، بل ليكون لديك دائما أمل أنك ستكون الأفضل.
هذه نظرة عامة على موضوع يُعتبر من المواضيع التي يتجنب الكثيرون الحديث عنها، ولكنه موضوع مهم للغاية ويشغل تفكير الكثيرين وخاصة الشباب، ويأتي في مقدمة الأسئلة في معظم مواقع الاستشارات الطبية و الشرعية.